• الموقع : البلاغ : موقع سماحة الشيخ إبراهيم فواز .
        • القسم الرئيسي : الأبحاث والمقالات .
              • القسم الفرعي : مواضيع قرآنية .
                    • الموضوع : وقفة مع سورة الضحى .

وقفة مع سورة الضحى

  وقفة مع سورة الضُحى :

محاولة التدبر بالسورة بالملاحظة الأولى تؤدي إلى تقسيمها إلى:

1- الإبتداء بقسم الله بالضحى والليل إذا سجى ، وهنا ربما أكثر مِن إشارة لأكثر مِن فائدة لكنها ليست الهدف في عجالة وقفتنا .

2- خطاب مباشر مِن الله لرسوله الكريم يبدأ بذكر أحواله مِن اليُتم والفقر والحاجة إلى الإسترشاد وما آل إليه بفضل الله تعالى . وهذه كسابقتها ليست مقصدنا الأساس في كلامنا .

3- أوامر مِن الربِ الكريم لرسوله المجتبى ، وهنا محط وقفتنا لا سيما الآية الآخيرة : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) .

= لكن إبتداءً ألحظ الآتي :

في كل قراءة للنصِ القرآني ينبغي الإلتفات إلى أنّ كل مفردة وأداة وضعت في مكانها لغاية لا يجوز التغاضي عن ضرورة بذل الجهد لإدراك خصوصية مقاصدها .

إنّ القَسَمَ الإلهي ببعض مخلوقاته ربما لا يكون للإشارة فقط إلى عظمة كيانها ودقة نظامها بل لا يبعد أن يكون لذلك إرتباط بسياق ما بعدها .

إن الخطاب الموجه إلى الرسول الأكرم بقدر خصوصيته فهو أعم بمقاصده . لهذا لا بُد مِنَ الإلتفات إلى عمق عمومية الخطاب كأهم المقاصد له .

إنّ لذكر البلاءات وإلحاقها بذكر نِعمٍ محددة فيه إشعار واضح بتكاليف غاية في الأهمية .

===  بالعودِ إلى الآية الأخيرة : وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ .

لفتني أنَّ المفسرين بغالبيتهم حصر تفسيرها بجانبين :

1- النِعمِ المادية ربطاً بقوله تعالى : وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى .

2- أن الأمر بالحديث بالنعمة هو بإظهارها وإعلانها وشكر المُنعِمِ عليها .

=== هنا أقول أني وقفتُ كثيراً عند الآتي :

1- حرف الباء في كلمة ( بنعمة ) .

2- أنّه بمراجعة النصوص القرآنية والإستعمالات اللغوية تجد أنّ صيغة الإفراد تُستعمل كثيراً للجمع والعموم كما في قوله تعالى : ( وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا ) .

والواضح أنّ ما يَصلح للعدِ هو الجمع وليس المفرد .

3- ذكر في القرآن الكريم الكثير مِن أنواع النِعم التي أفاضها الله على خاصة أو عموم عباده ولم تُحصر بالعطاء المادي .

=== بالرجوع إلى الإستعمالات اللغوية لحرف الباء يتبين أنّ باء الجر قد تُستعمل :

بمعنى الإلصاق

بمعنى المصاحبة

بمعنى الإستعانة

= وهذا يعني إجمالاً أنّ المذكور بعد الباء هو المطلوب بعينه وذاته وللتوضيح :

=== أنّ النِعمة بذاتها وحقيقتها هي المطلوبة بالحديث بالفعل (((وليس الحديث عنها))) أي (((ليس مجرد إظهارها والإعلان عنها))) كما قال مُفسرون بأن يَظهر ذلكَ في مطعمك وملبسكَ وبذخكَ ، ويُلحق بشكر الله عليه وكفى .

فإني (قد) أرى أنّ (مجرد) إظهار البذخ فيما أنعم الله عليك سيوحي غالباً بالإستعلاء وبنحو يؤدي إلى أذية من هم دونك وإصغارهم.

 وقطعاً ليس هذا مراد الله الرحيم اللطيف بعباده .

وأمّا إلحاق الشكر لله بهذا الإظهار (فقد) يكون قريباً مِن الذكر لرفع العتب وإدعاء التواضع .

وعليه فالأقرب لفهمي أن الحديث بالنعمة ( وأمّا بنعمة ربكَ فحدث ) :

هو ((((( أن تُنعم على غيركَ بما وكما أنعم الله عليكَ ))))) .

= وقد ذُكر في الأثر :

=== أنّ في كل شيء زكاة

ففي نعمة المال زكاته لمحتاجيه

وفي العلم زكاته بتعليم الجاهلين

وفي الصحة زكاتها بإعانة الضعفاء

وفي الشأنية والزعامة والرئاسة زكاتها بخدمة المُستضعفين

وعليه :

إيّاكَ إيّاكَ إيّاك أن تخدع نفسك

= أنّ تتباهى بما أنعم الله عليك وتدَّعي شكره

وجاركَ وأبناؤه يأكلهم الجوع

وعلى باب المستشفى مريض يُطرد لأنه لم يحظ بوسيط من أمثالك .

وأطفال يُحرمون التعليم بالفقر وأولادك يُرفهون تباهياً وإستعلاءً.

=== إيّاك أن يأخذك التباهي بنعمِ الله عليك :

إلى زيادة آلام الناس

فقد سبقك

من لم يُغنِ عنه ماله ولا شأنه عن الخسف به

= بإمكانك التباهي والإستعلاء بالنِعم كما تشاء

وبإمكان الله أن يُغدق عليك الغضب كما أغدق عليكَ النِعم

وبإمكان قلوب الفقراء والمتألمين من إستعلائك أن تمتليء بالإستياء والكراهية لكَ

وبإمكان كل من يعرف القِيَم وكرامة الإنسانية أن يحتقرك بأضعاف ثقلِ ما تحمل مِن مالٍ وجاه .

فحدّث بالنِعم كيف شئت وخذ بها ما تستحق .

وحسبي الله الكافي وهو ربي .

=====     

إبراهيم فوّاز .


  • المصدر : http://www.el-balagh.net/edara/subject.php?id=169
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 08 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 13